هناك فى مكان بعيد ....بعيداً عن موطن نشأته وشبابه........فى إحدى الليالى ......كانت السماء ملبدة بالغيوم .....كان كعادته يجلس بكرسيه فى شرفته ليراقب القمر ويحادث النجوم .....فهم اصدقائه منذ القدم .....تعود على أن يحكى لهم كل شئ ...أخباره ....مشاعره ...مخاوفه.....تعود أن يغازل القمر عندما يكون بدراً ويغطى نوره الوجود..كان يغازله حتى تغار النجوم وتزيد من وهجها ولمعانها .وتتراقص أمامه لعلها تنال بعضاً من غزله الجميل...كان يفعل ذلك كل ليلة حتى جاءت(شمس عمره)واستأثرت بكل الغزل والحب ....كم كانا يجلسان معا ً فى ضوء القمر
...أما الآن يجلس فقط كل ليله ليشكوا للقمروالنجوم أحزانه....وآلامه.... كانت الغيوم فى هذه اليلة تحجب القمر والنجوم ......كان يجلس ويشاهد كيف يصارع القمر السحاب والغيوم ليظهر نفسه ....يحاول ان يجد صديقه الجالس هناك وحيدا فى شرفته .....لكن محاولاته كانت بلا جدوى.....وبعد أن فقد الأمل فى أن يرى أصدقائه ....قرر أن يذهب إلى النوم...تناول بعضاً الحبوب فمازال يعانى قسوة المرض ..غفت عيونه ساعة أو إثنتين ....وأستيقظ على صوت قطرات المطر .....خرج سريعاً الى الشرفه ....كان مشتاقاً جدأً للمطر الذى يعشقه ...ويعشق السير تحته......كانت قطرات المطر تتساقط عليه بشده.....فتح زراعيه ليحتضن قطرات المطر ...وأخذ تنهيدة عميقه ....عاودته رغبته فى الجرى تحت المطر....لكنه مريض جدا الآن ...ولن يسمح له أحد بذلك ....ربما يكون قراره بالخروج فى مثل هذا الطقس قرار بالانتحار....ولكن من ذا الذى يستطيع ان يكبت جماح هذا الحصان الذى داخله .....هذا الحصان الجامح الذى يهوى الجرى تحت الأمطار....خرج رغم اعتراض الجميع دون ان يأخذ كوفية أو معطفاً...لم يرد أن يقيده شئ ...سار كثيرا تحت المطر...كان يريد أن يغسل المطر جميع أحزانه
وفجأة ..بدأت تقل قطرات المطر ....ويتعالى صوت الرعد شيئاً فشيئاً.....أيقظ ذلك الصوت صوتا آخر داخله ....أيقظ صوت حزنه الدفين...وأخذ يتعالى مع صوت الرعد حتى أحس بكيانه يضطرب مثل إضطراب السماء بصوت الرعد..فقد القدره على السير الآن ...كبلت الأحزان ذلك الحصان الجامح وعصفت بكيانه حتى عجلت بشيخوخته ....توقف فى منتصف الطريق ....فاجأه نور شديد من السماء ...إنه البرق.....كان يومض بسرعة ويختفى ...أخذ يراقبه ....كانت هناك أشياء اخرى تومض فى ذاكرته مع كل ومضة للبرق...أغمض عينيه ....مع ومضة البرق الأولى ومضت فى ذاكرته صورة البيت الصغير..... ومع الثانيه حديقة البيت.....ومع الثالثه ومضت تلك الليلة الممطره ...كانت الليالى الممطره من لياليهما الخاصه جدا ...يجلسا معاً فى حديقة المنزل تحت المطر...يسير معها وهى تحضن يده كطفل صغير ..وتختبىء فى حضنه مع كل ومضة برق ....تداعبه بروح طفلة صغيرة....فيجرى خلفها....كان وجهها المنمنم بقطرات المطر وخصلات شعرها المبللة التى تتطاير مع الهواء أسطورة لا توصف ولا تحكى..كان لايملك إلا أن يجثو بين يديها فى خشوع تام يتأمل ذلك السحر
وفجأة ..بدأت تقل قطرات المطر ....ويتعالى صوت الرعد شيئاً فشيئاً.....أيقظ ذلك الصوت صوتا آخر داخله ....أيقظ صوت حزنه الدفين...وأخذ يتعالى مع صوت الرعد حتى أحس بكيانه يضطرب مثل إضطراب السماء بصوت الرعد..فقد القدره على السير الآن ...كبلت الأحزان ذلك الحصان الجامح وعصفت بكيانه حتى عجلت بشيخوخته ....توقف فى منتصف الطريق ....فاجأه نور شديد من السماء ...إنه البرق.....كان يومض بسرعة ويختفى ...أخذ يراقبه ....كانت هناك أشياء اخرى تومض فى ذاكرته مع كل ومضة للبرق...أغمض عينيه ....مع ومضة البرق الأولى ومضت فى ذاكرته صورة البيت الصغير..... ومع الثانيه حديقة البيت.....ومع الثالثه ومضت تلك الليلة الممطره ...كانت الليالى الممطره من لياليهما الخاصه جدا ...يجلسا معاً فى حديقة المنزل تحت المطر...يسير معها وهى تحضن يده كطفل صغير ..وتختبىء فى حضنه مع كل ومضة برق ....تداعبه بروح طفلة صغيرة....فيجرى خلفها....كان وجهها المنمنم بقطرات المطر وخصلات شعرها المبللة التى تتطاير مع الهواء أسطورة لا توصف ولا تحكى..كان لايملك إلا أن يجثو بين يديها فى خشوع تام يتأمل ذلك السحر
ًومع توالى الومضات كان يسمع صوت الحوار واضحا
ــــ رايح فين؟
ـــ هجيب فوطه تنشفى شعرك ..لحسن كده هتاخدى برد
ـــ بس انتا بتحب تشوف شعرى كده تحت المطر
ـــ طبعاً ... بعشقه
ـــ يبقى مش مهم بقى يحصلى ايه ...المهم إنى معاك
ــــ رايح فين؟
ـــ هجيب فوطه تنشفى شعرك ..لحسن كده هتاخدى برد
ـــ بس انتا بتحب تشوف شعرى كده تحت المطر
ـــ طبعاً ... بعشقه
ـــ يبقى مش مهم بقى يحصلى ايه ...المهم إنى معاك
تتفجر دموع ساخنة من عينيه الآن ....تزداد شيئا فشيئا حتى تصبح كقطرات المطر .....يفقد قدرته على الصمود..يجثو على ركبتيه....يتعالى صوت الرعد ..وتزداد حدة البرق وسرعة ومضه .....تزداد معه ومضات الذكريات فى عقله
...حجرتها فى المستشفى
.....صورة الأشعه
...تقارير الأطباء
......يوم العملية.
....أصوات الصراخ والبكاء
لم يستطع الصمود واستلقى على الأرض فى منتصف الشارع كجثة هامده لا تستطيع الحراك
لم يستطع الصمود واستلقى على الأرض فى منتصف الشارع كجثة هامده لا تستطيع الحراك
يبكى
..ويبكى
..وينتحب
كان أنينه يمزق القلوب .....ويخرج آهاتٍ من أعماقه بأعلى صوت
...إشتد عليه الألم
....تمنى أن تكون هذه ليلته الأخيره
تمنى الموت مع كل دمعه وخفقة قلب
ولكن مع كل الأسف رآه أحدهم من شرفته
...وجرى اليه
..نُقل الى المستشفى وتم إسعافه
أيقن عندما أفاق أن أمنيته لم تتحقق ...وأن أجله لم يحن بعد..فهو لازال على قيد الحياة ...أدرك أن أمامه
....درباً طويلاً من الحزن والحرمان والألم عليه أن يمشيه ويتجرع كأس عذابه حتى يأذن له ربه بالراحة